شائعات: دائمًا ما تقُومُ الأفعَى المُجْلْجِلَة بالتَّحْذِيرِ قبل الهُجُوم

مِمَّا يُعْتَقَدُ خطَأً فيما يَخُصُّ جِنْسَ الأفاعِي ذواتِ الأجراس أنَّها تقومُ بتحذِيرِ المُهاجِمِينَ أو المُقْتَرِبِينَ مِنها قبلَ مُهاجَمَتِهم ولَدْغِهِم عن طَرِيقِ إصدارِها لصَوْتِ الجرس المُمَيَّز، وذلك على الدَّوَام، وأنَّها لَنْ تقومُ بالهُجُوم قَطُّ طالَما أنَّها لَمْ تُسْبِقِ الهُجومَ بصَوْتِ الجَرَسِ الصَّادِرِ عن ذَيْلِها ذِي الحَلَقاتِ.

كوبرا الملك

وهذا اعتِقادٌ غيرُ صحِيح؛ فقد لا تُتَاحُ الفُرَصُ المناسِبَةُ دائِمًا للثعابِين ذوَات الأجراسِ لتحذِيرِ المُهاجِمِين. ولا يَسْرِي ذاك الفَهْمُ على الثعابِين ذوات الأجراسِ فحَسْب، بل يدخُلُ فيه جميع فصائل الثعابين، على تنَوُّعِ أحجامِها وأشكالِها ومواطِنِها وسلوكَاتِها، ويمكِنُ تناوُلُ تلك الشائِعَة بِشَيْءٍ مِن التَّفْصِيلِ في النِّقاطِ التَّالِيَةِ:

أوَّلًا: الثعابين كائناتٌ خجُولةٌ، ولا تُحِبُّ الاختِلاطَ ببَعْضِها أو بحيوانات أخرَى، ولا سِيَّمَا الأكبَر مِنها حجمًا والتي لا تصلُح لكَيْ تكونَ غِذَاءً لها؛ لذا فالثعابين تَفِرُّ وتبتَعِدُ عن الأماكِن التي تكثُرُ فيها الحرَكَةُ والنَّشَاط وتنقَطِعُ عنها السَّكِينَةُ والجُمُود، وتلجأ حينئذٍ إلى الضَّواحِي والجُحُورِ والأماكِن المهجورة والبعِيدَةِ لكي تنعَمَ بالأمانِ والرَّاحة. لذا فإنَّ الأماكِن المأهولة يكون تعداد الثعابين فيها أقَلَّ بكثيرٍ منها قبل دخول الإنسان إليها واستِعمارِها.

ثعبان الرنجهال

ثانِيًا: نتِيجةً لخَجَلِ الثعابِين فإنَّ هذا ينعَكِسُ بالضَّرورَةِ على السُّلُوك الذي تُفَضِّلُه وتلجأ إليه في مُواجَهَةِ نَوْعِ الأخطار المُتَمَثِّلَةِ في المُفْتَرِسَات والمهاجِمِين، فبدَلًا مِن أن تقوم الثعابِين بالدُّخول في صِراعٍ وعِراكٍ مع المُهاجِمِين فإنَّها تُفَضِّلُ الفِرارَ والابتِعادَ عن مَيْدانِ المُواجَهَة. وإنْ دَعَتْها الظُّرُوفُ إلى مُواجَهَةٍ فإنَّها تُسَارِعُ بالهروبِ في أوَّلِ فُرْصَةٍ سانِحَةٍ تُتاحُ لها.

ثالِثًا: إذا ما دُفِعَتِ الثعابِين إلى المُواجَهَةِ ولم تتمَكَّنْ مِن الفِرار على الفَوْر، فإنَّها قد تلجَأُ لسُلُوكِ الإنذارِ أو التَّهْدِيد، الذي قَدْ يدفَعُ المُهاجِمَ إلى الابتِعادِ، فيُجَنِّبُها المُواجَهَة ويخلُقُ فُرْصَةً مناسِبَةً لها للفِرارِ مِن مَوْطِنِ الخَطَر.

كُوبرا مَرجان رأس الرَّجاء

رابِعًا: يتضَمَّنُ سلُوكُ التَّهدِيد أو الإنذار لدَى الثعابِين بعضَ الأفعال التي قد تختَلِفُ مِن فصيلَةٍ أو جِنْسٍ إلى آخر، وقد يشتركُ أكثر مِن فصيلةٍ في طَرِيقَةٍ واحِدَةٍ. مِن أكثر تلك الطُّرُقِ شُهْرةً وذُيُوعًا بين جميع فصائل الثعابين تقريبًا هو الفحيح Hissing، وهو صوتٌ مرتَفِعُ يصدُرُ عن الثعابِين أثناء خُرُوجِ هواءِ الزَّفِيرِ مِن رِئَتِها العامِلَةِ بِقُوَّةٍ. ومِن ذلك أيضًا تضخِيمُ بعضِ أجزاء الجِسْمِ ليبدُوَ الثُّعبان أكثر ضخامَةً وإفزاعًا للمُهَاجِمِ، ومِن أشهر فصائِل الثعابِين التي تلجأ لهذا السُّلوك هي فصائِلُ الكوبرا الحقيقية Naja وبعض الفصائل الأخرى التي قد يُطْلَقُ عليها لفظ الكوبرا تَجَوُّزًا مثل ثعبان الكوبرا الملك King Cobra واسمُه العلمِيّ Ophiophagus hannah، وثعبان الرنجهال Rinkhals أو ما يُسَمَّى بالكوبرا الرقطاء جَرَسِيَّة أو حَلَقِيَّة العُنُق Ring-necked Spitting Cobra، واسمُه العِلْمِيّ Hemachatus haemachatus، وكذا كُوبرا مَرجان رأس الرَّجاء Cape Coral Cobra، واسمُه العلمِيّ Aspidelaps lubricus، وغيرُها، حيثُ تقومُ جميعُها بنَشْرِ واستِعْراضِ منطِقَةِ الرَّقَبَةِ لتُكَوِّنَ ما يُعْرَفُ بالقَلَنْسُوَة Hood، مِن أجل أن يبدو رأسُ الثعبان وعُنُقُه أكبر حجمًا وأكثر إفزاعًا.

A Deadly Venomous Black Mamba Snake Startled Me in South Africa | by Klara Jane Holloway | Globetrotters | Medium
المامبا السَّوداء

خامِسًا: بعض الثعابين الأخرى قد تلجأ إلى الوُقُوفِ عالِيًا مِن أجل أن تبدُوَ أكبَرَ حجمًا، ويحدُثُ هذا في الفصائل التي تتمَيَّزُ بطُول أجسادِها كثعابِين المامبا السَّوداء Black Mamba واسمُها العِلْمِيّ Dendroaspis polylepis، وثعبان الكوبرا المَلِك King Cobra، والتي قد يتجاوَز طُولُ الجُزءُ القائِمُ مِن أجسادِهِما طُولَ رَجُلٍ بالِغٍ طويلِ القامَةِ.

سادِسًا: مِن الطُّرُق الشَّهِيرَةِ التي تلجأُ إليها بعض فصائل الثعابين مِن أجل إنذار المُفْتَرِسات والمُهاجِمِينَ هو ما تفعَلُهُ الأفاعِي ذوات الأجراس مِن إصدارِ صَوْتٍ مُمَيَّزٍ باستِخْدَامِ الحَلَقَاتِ الحُرْشُفِيَّة الكيراتِينِيَّة الموجُودَةِ في أطراف ذُيُولِها. ولكِنْ هل تسلُكُ الثَّعابِينُ دَومًا طريقَةَ التهدِيدِ والإنذارِ قبل أن تلجأَ إلى الهُجُومِ واللَّدْغِ؟..

سابِعًا: ليس أفضَل مِن أن تتمَكَّنْ الثعابِين مِن تحذِير المُهاجِمِين، فإنَّ هذا قد يُجَنِّبُها خَطَر المُواجهة، كما أنَّه قد يُجَنِّب المُهاجِمَ مِن خَطَر اللَّدْغِ، الذي قَدْ يكونُ مُمِيتًا، ولا سِيَّما لو كانَ الإنسانُ هو المُهاجِمُ أو المُقْتَرِب وإن لَمْ يكُنْ مُهاجِمًا أو اقتَرَبَ مِن الثُّعبانِ بدُون أن يراهُ أو يعرِفَ بوُجُودِه. غير أنَّ هذا الأمر قد لا يكون مُتاحًا في جمِيع الأوقات؛ فإنَّ الثعابِين إذا ما بُوغِتَتْ فإنَّها تلجأ مباشَرَةً إلى اللَّدْغ مِن غَيْر تهدِيدٍ أو تحذِير، والسَّبَبُ في ذلك أنَّ الغايَة التي مِن أجلِها يقوم الثعبان بالتَّهْدِيد والإنذار انقَضَتْ وأصبَحَتِ المواجهةُ حتمِيَّةً، ومِنْ ثمَّ يُغَيِّرُ الثعبانُ طريقَتَه في المُواجَهَةِ مِن التَّهْدِيد إلى الهُجُوم واللَّدْغِ. ويحدُثُ هذا كثيرًا إذا ما اقتَرَبْتَ مِن الثعابِين مِن جِهَةٍ الخلفِ أو خارِجَ نِطاقِها البَصَرِيّ ومِن غير إحداثِ كثيرِ صَوْتٍ، أو إذا ما وطَأتَ الثُّعبانَ بقَدَمِكَ بدُونِ أن تعلَمَ، ويحدُثُ هذا غالِبًا في مناطق الأحراشِ والحشائِشِ الطويلة التي يصعُبُ فيها ملاحظة الثعابِين الكامِنَةِ فيها.

المزيد
جنيات الحديقة

لطالما تخيلنا في الطفولة الكائنات الصغيرة التي تبني بيوتا مخفية في الحديقة من الاخشاب والاوراق وتجلس في بيتها تشرب الشاي Read more

تنين البحر العشبي

لطالما ارتبط مسمى التنين بالكائنات الخيالية العملاقة التي تنفخ النار وتطير في السماء وضربة من ذيلها العملاق كفيلة باسقاط البيت Read more

مقايضة (شعر حر)

#_مُقايَضة الحِذاءُ الْمُتَّسِخْ هاتفي الْمكسور سيارتي المعطَّلَة والدَّواوينِ التي لم أقرَأها مُكَدَّسَةً في أركانِ منزلي... لا تَصْنَعُ الأشياءُ الْمُسْتَقرَّةُ حولي Read more

اللؤلؤ والمرجان من سيرة خير الأنام ( تشويقة لسلسلة)

سلسلة اللؤلؤ والمرجان من سيرة خير الأنام (مقتطفات من كتابي القادم) كان ﷺ مضربًا للأمثال في مكارم الأخلاق: ... كان Read more