بلع الزجاج … قصة قصيرة

الغرفة باردة جدا … انّه تموز وهو ليس معتاداً على هذه البرودة التي تجلبها المكيفات، أخذ ينظر إلى قطع الديكور الموضوعة أمامه على طاولة في منتصف غرفة الجلوس التي جعلها مديره أمام مكتبه وفكر في نفسه: ما الذي يدفع أحداً إلى شراء مثل هذه التماثيل المنحنية؟! ترتسم على سطحها أشباه عيونٍ وشفاه ،اختلطت بألوان عشوائية بشكل غير متناسق وغير مفهوم.. فكر في نفسه: هل هي قبيحة فعلاً أم انه هو الذي لا يفهم في أذواق هؤلاء الأثرياء والمثقفين ؟!  ربما اختلاف معيشتهم عن معيشته  جعله لا يدرك مكنون جمال هذه الاشياء !

خرج المدير من الحمام وهو يمسح باقي أثار الماء عن يديه، ومرر أصابعه في خصل شعره الأسود ،فكر في نفسه :أهو مصبوغ ام ان سهولة حياته أخّرت ظهور الشيب في رأسه فهما في نفس العمر تقريبا ولكن أبا ابراهيم تحول ما بقي من شعره الى اللون الفضي وغزا الشيب لحيته الرقيقة منذ سنوات. جلس المدير على كرسيه الدوار واخذ يعدل من هندامه

  • أبو ابراهيم وصلني عنك أخبار لم تعجبني ،لم أعتد منك على إحضارك الى مكتبي ..

شعر أبو ابراهيم بالبرد يمر في عموده الفقري ونظر الى مديره باستغراب..

  • خير ان شاء الله
  • وصلني أنّك لم تحضر في موعد الدوام 7 مرات هذا الشهر .. انت تعرف اننا في هذه الشركة نقدر الوقت ونعتبره أهم مواردنا وأنا أكثر ما يزعجني من موظف هو التأخير تأخير موظف واحد يعني تأخير كل الموظفين في أداء عملهم .
    فكر أبو ابراهيم في نفسه أليس من المفترض  ان يكون  الانسان هو أهمّ الموارد تأخير موظف بسيط  واحد مثلي لا يعني-بالضرورة- تأخير باقي الموظفين ..

نظر أبو ابراهيم بخجل الى قطع الديكور الغريبة الشكل تنحني امامه بألوانها وقال

  • اسف ولكن كان لدي ظروف خاصة في البيت هذا الشهر
  • تعرف انني اقول دائما ان علينا ان نفصل بين البيت والعمل..  امورك في بيتك هي امور شخصية لا يجب ان تؤثر على ادائك في العمل
  • لكني اعمل هنا منذ 9 سنوات ولم أتأخر خلالها يوما واحدا حتى.
  • تعرف انني دائما احكم على الحاضر ،ما أره الآن بعيني .. الناس تتغير .. لقد كنت ملتزماً ، أمّا الان اصبحت في عِداد غير الملتزمين ،انا احكم على ما اراه بعيني الان ، ولا يهمني كيف كنت بالماضي يعنيني ان تلتزم بالدوام دون تأخير ،الثامنة صباحا تعني الثامنة صباحا لا ثمانية و دقيقة …
  • لكن ….
  • لا تناقش يا أبا ابراهيم لا تناقش… سنخصم أجرة يومين من راتبك بسبب التأخير ..
  • لكني لم أتأخر الا بضع دقائق في هذه الأيام..
  • هذا لتتعلم خطورة التأخير .. سأعتبر  هذا إجراءً مخففّاً، وفي المستقبل سيكون هناك إجراءات اكثر شدة …. أغلق الباب خلفك وانت خارج واحضر لي فنجان قهوة بعد نصف ساعة…

شعر أبو ابراهيم بشيء في حنجرته، وكان غليان الغضب تحت جلده يكافئ برودة المكان ،مر في خاطره بناته الثلاث في المنزل وزوجته الحبيبة طريحة المشفى منذ أسبوعين … فجأة وكأنما سمع في رأسه صوت كلام والده الذي لم يكن يلقي له بالاً عندما كان صغيراً ، اصبح الآن يفهمه لا بل  يتذوقه… ” لا يجبرك على المُرّ إلا الذي أمرُّ منه”  بلع ريقه فإذا به حادّاً  كأنما قطع مريئه .. حرك رأسه بالموافقة همَّ بالمغادرة…  وألقى نظرة على التماثيل .. فكر في نفسه وهو خارج … لا بل هي قبيحة جداً…

المزيد
الفصل الاول : شمس، أزهار على حافة ثقب أسود

 نادها صوت ضاحك من خلفها : شمس ألم يكن أسهل لو انك صعدت السلّم ؟!  التفت إلى مصدر الصوت لتجد Read more

الفصل الثاني: فاضل ، أزهار على حافة ثقب أسود

استدارت بعد ان كانت قد مسحت بقايا دموعٍ من عينيها ، وقالت : لا عليك الذنب ذنبي ، لم يكن Read more

قصة خمس دقائق

#قصة_05: كم من مرة أخبرتكم أني لست بخير.... لم يصدقني أحد.... ترد زوجتي منيرة فتقول : - تقول هذا فقط Read more

مقايضة (شعر حر)

#_مُقايَضة الحِذاءُ الْمُتَّسِخْ هاتفي الْمكسور سيارتي المعطَّلَة والدَّواوينِ التي لم أقرَأها مُكَدَّسَةً في أركانِ منزلي... لا تَصْنَعُ الأشياءُ الْمُسْتَقرَّةُ حولي Read more